عادل عزيزي
عرف المغرب مند 21 سنة من حكم جلالة الملك محمد السادس سلسلة مترابطة من الأوراش التنموية المستدامة، شملت مختلف المجالات و القطاعات بالدولة، كما شكلت هندسة اجتماعية تضامنية شاملة الرؤى تتوخى في جوهرها جعل المواطن ضمن الأولوية الكبرى في مسلسل الإصلاح الشامل، والهدف الأساسي للنهوض بالعنصر البشري ببلادنا، رسخ من خلالها جلالته مبادئ التضامن و التكافل والتآزر الاجتماعي، برؤية ملكية تضامنية للمجال الاجتماعي والاقتصادي حيث اعتمدت احدث النظم والأساليب التدبيرية، وذلك من خلال وضع أهداف واضحة تتسم بالانسجام والفعالية والنجاعة والملائمة، مع القدرة على التأثير و تحديد دقيق للمؤشرات كل ذلك وفق آلية الحكامة المجالية وضعت المغرب على سكة القوى الإقليمية الصاعدة.
“برنامج محو الأمية بالمساجد” الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كان واحدا من المبادرات والأوراش التنموية الأولى، التي فتحها جلالته منذ جلوسه على العرش، إيمانا منه بجدوى التصدي لمعضلة الأمية في أوساط الكبار، وبأهمية الرهان على تعليم وتكوين وتأهيل العنصر البشري، ليس فقط باعتباره هدفا للتنمية وغاية لها، بل وليكون في صلب مسيرة الإصلاح والإقلاع التنموي الشامل، والبرنامج ومنذ أن تحركت عجلاته الأولى، عقب الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 47 لثورة الملك والشعب في 20 غشت 2000، حقق من الأهداف، ما ساعد ليس فقط، على محو الأمية الأبجدية والدينية والوطنية والصحية في أوساط شرائح واسعة من المواطنات والمواطنين الذين لم يتمدرسوا أو الذين انقطعوا عن التمدرس في سن مبكر، بل وتمكينهن/م من الكثير من المهارات الحياتية الدافعة نحو تطوير الذات وتنمية الواقع السوسيومجالي.
وبلغة الأرقام والمعطيات، فإن العدد الإجمالي للمستفيدين المسجلين ببرنامج محو الأمية بالمساجد من سنة 2000 إلى 2022، بلغ أزيد من 4.208.668 مستفيدا، 70 في المائة منهم نساء.
هي أرقام ومعطيات من ضمن أخرى وردت على سبيل المثال لا الحصر، لا يمكن إلا أن نستحضر آثارها المتعددة الزوايا على حياة المستفيدات والمستفيدين، وخاصة على مستوى تحسين المؤشرات المرتبطة بالتنمية البشرية والاجتماعية والمجالية، وحتى لا نكون مقصرين أو نبخس الناس أشياءها، من اللازم الإقرار أن ما حققه ويحققه البرنامج من أهداف ونتائج، تحمل ويتحمل وزره وأعباءه “جنود خفاء” من المؤطرات والمؤطرين، يفتحون قلاع الظلام و الجهل بإصرار وعزيمة، وينشرون رسائل النور والأمل والحياة بثقة وتضحية وصبر ونكران للذات، إسهاما منهن/م، في مسيرة التنمية البشرية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس بتبصر وسداد.
وتقديرا لمهامهم المواطنة الجسيمة، كان يفترض أن يحاط هؤلاء الجنود، بمناخ مهني لائق، تتوفر فيه شروط الدعم والتحفيز ومستلزمات الاستقرار النفسي والمادي والاجتماعي، انسجاما والعناية الملكية السامية بهذا البرنامج الاستراتيجي، لكن الواقع يختلف تماما، استحضارا لما يعانونه من هشاشة وإقصاء، سواء تعلق الأمر بهشاشة عقود الشغل التي تربطهم بالجهة المشغلة، أو بهزالة ما يتلقونه من تعويضات مخجلة، أو بسيف التسريح أو الاستغناء الملقى على رقابهم كما حدث بتاونات، في ظل غياب إطار قانوني يؤطر عملهم ومهامهم.
وبدون شك، ستزداد بؤرة الأسف والحسرة اتساعا بإقليم تاونات، إذا ما استحضرنا الطريقة التي تم انتقاء مؤطرات و مؤطري البرنامج بتاونات الذي اعتمدت على الزبونية و المحسوبية وباك صاحبي بدل الكفاءة.
الموسم الدراسي المقبل بتاونات، سيكون بدون شك، معمقا لبؤرة التوجس والقلق والترقب في تنزيل البرنامج بالإقليم، بعدما أقدم مسؤولوا القطاع بتاونات على إقصاء عدد كبير من المؤطرات منهن من قضينا في البرنامج لأكثر من عشر سنوات كمؤطرات لمحو الامية داخل المساجد، ليجدن انفسهن مرميات في الشارع بسبب الزبونية والمحسوبية و “باك صاحبي” التي اعتمدها مسؤولوا القطاع بتاونات خلال عملية الانتقاء.
“ام لقمان” هي واحدة من بين العشرات اللواتي تم إقصائهن ممن قضينا في البرمانج لسنوات عديدة يشتغلن بكل جد و مسؤولية رغم الظروف الغير مناسبة، “أم لقمان” التي تزيد تجربتها في البرنامج لأزيد من 8 سنوات “التي لم تشفع لها”، تروي للحقيقة 24 عما أسمته ” الفساد والمحسوبية والزبونية التي لحقت مباراة الانتقاء لمؤطري محو الامية داخل المساجد بتاونات” ، مؤكدة أنه بعد الإفراج عن النتائج تفاجئ الجميع بواقع هذه النتائج المثيرة للجدل.
و أكدت في تصريح للحقيقة 24، “أنني حضرت جيدا للامتحان لدرجة أنني أعدت حقيبة تربوية خاصة بمحو الامية بالمساجد (نظرا لتجربتي التي تجاوزت 8 سنوات بالبرنامج) قبيل الامتحان الشفوي، وهو الأمر الذي لقي استحسان اللجنة المكلفة وإشادات بالمجهود المبذول”.
و أضافت المتحدثة دخلت يوم الامتحان و جلست أمام لجنة مكونة من ثلاثة عناصر، طرحوا علي مجموعة من الأسئلة،.. أجبت عليها بنجاح”، واستطردت المترشحة حديثها قائلة: “قبل المباراة بأيام قليلة، سمعت خبر يروج أن الأمر قد حسم قبل المباراة، أي هناك لائحة تم إعدادها مسبقا مكونة من أصحاب “باك صاحبي”، اما امتحان الانتقاء فهو مجرد بروتكول شكلي فقط، لكني لم اعطي للموضوع أي أهمية لانني كنت واثقة بنفسي و تجربتي التي تزيد عن 8 سنوات، لكنني تفاجئت في الأخير و تيقنت أنه ما كان يروج له قبل الامتحان كان هو الصحيح”، واستنكرت المترشحة هذا “الإقصاء” الغير مفهوم حسب تعبيرها.
تبدو الصورة أكثر قلقا وحسرة، إذا ما استحضرنا أن هؤلاء المؤطرات والمؤطرين من حاملي الشواهد (باك، إجازة، ماستر) الذين ضاقت بهم سبل الشغل في ظل تفشي جائحة البطالة، ولم يجدوا بدا من الانخراط في البرنامج هروبا من قسوة العطالة، ليضطروا التأقلم على مضض، مع ظروف شغلية تحضر فيها الهشاشة وأخواتها، ومع ذلك، لم يجدوا أمامهم إلا القبول بواقع الخضوع والقهر والانصياع و الذي لم يشفع لهم عند مسؤولي القطاع بتاونات، ليكون حالهم كحال الغريق الذي يتمسك بحبل النجاة في انتظار لحظة افتكاك أو انعتاق قد تأتي وقد لا تأتي.
“أم فارس” هي الأخرى تم إقصاؤها رغم قضائها كمؤطرة في البرنامج 6 سنوات قالت للحقيقة 24، ” رغم المعاناة و الضغط الرعيب الذي يمارس علينا كنا نجتهد نشتغل في صمت، دون أن تكون لنا القدرة على البوح والشكوى والاحتجاج المشروع، بل وحتى في زمن الحجر الصحي وتوقف الدروس الحضورية، المؤطرات أبلينا البلاء الحسن عبر آلية “التعليم عن بعد”، إسهاما منها في ضمان الاستمرارية البيداغوجية وتأمين حق المستفيدات والمستفيدين في التعلم، وعلى الرغم من كل هذه المعوقات، لم نرفع صوتا ولا شعارا ولم نحدث لغطا في الشوارع ولا احتجاجا، وكل هذا لم يشفع لنا بل وجدنا من المسؤولين الذين كانوا بالأحرى أن يدافعوا علينا لما لما سهمنا به في إنجاح البرنامج و اكتسبناه من التجربة أن يجعل الشارع مصيرنا، هذه هي مكافئتنا على التضحية ونكران الذات للإنجاح البرنامج الذي أعطى انطلاقته سيدنا الله ينصروا”.
و هذا وبعد توافد عدد كبير من المقصيات على الإدارة المعنية للاستفسار عن سبب إقصائهن رغم كفائتهن و تجريتهن الطويلة في البرنامج، أجابهن أحد الموظفين بأن هناك لائحة إضافية تم إرسالها الى المندوبية الجهوية للموافقة عليها و سيتم إخبارهن بالجواب فور توصل المندوبية الإقليمية الجواب من المندوبية الجهوية.
إذا كانت العدالة الاجتماعية، تعتمد على ركائز أساسية، نخص منها المساواة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص، وعدم التمييز بين المشاركين، فإن ما هو منتشر في تاونات، التي تنهجها مندوبية الأوقاف والشؤون الإسلامية، لسياسة التمييز بين المترشحات و المترشحين هو المحسوبية والزبونية بالإدارة المذكورة والتي تقف عائقا في وجه تحقيق العدالة الاجتماعية و التجويد الذي دعا إليه صاحب الجلالة في خطاب العرش.
و من خلال منبر الحقيقة 24، فإن المقصيين و المقصيات من البرنامج يلتمسون من السيد وزير الأوقاف و الشؤون الاسلامية أن يرسل لجنة تقصي إلى تاونات للوقوف على هذه الخروقات و التجاوزات التي شابت عملية انتقاء المؤطرين و المؤطرات التي اعتمدت فيها المحسوبية و الزبونية بدل الكفاءة والمردودية لموسم 2023/2024 بمندوبية تاونات.
ونحن نوجه البوصلة نحو هؤلاء المؤطرات والمؤطرين من خلال جريدة الحقيقة 24، دفعتنا عدة اعتبارات لطرق أبواب هذه الشغيلة “من نوع خاص” التي تشتغل في صمت في ظل ظروف عملية لا صوت يعلو فيها على صوت الهشاشة:
أولها: أن البرنامج حيوي واستراتيجي يروم محاصرة جائحة الأمية التي لازالت إحدى المعوقات التي تجعل المغرب يحتل مراتب متأخرة على المستوي الدولي في مؤشر التنمية البشرية.
ثانيا: أن كسب رهانات هذا البرنامج الطموح، يمر قطعا عبر إعادة الاعتبار للمؤطرات والمؤطرين وكل الساهرين على تنزيل أهداف ومقاصد البرنامج بما يضمن التحفيز و العدالة الاجتماعية.
ثالثا: أن “النموذج التنموي الجديد” يفرض النهوض بالرأسمال البشري والارتقاء بمستوى تنميته.
رابعا: أن ورش الحماية الاجتماعية الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس، يقتضي استعجال تجويد ظروف عمل المؤطرات والمؤطرين، وإدخالهم في منظومة الحماية الاجتماعية على مستوى التغطية الصحية والتقاعد والتعويضات العائلية والتعويض عن فقدان الشغل، بدل طردهن.
خامسا: إن مرحلة ما بعد دستور 2011، تميزت بسمات منها القطع مع الزبونية والمحسوبية و منطق “باك صاحبي”، وجعل الكفاءة هي المدخل الأساسي لولوج أي منصب، ونسجل أن الإشكالات التي أثيرت حول مباراة انتقاء مؤطري و مؤطرات برنامج محو الامية بالمساجد بتاونات، شوشت على السمة المشار إليها، وعلى المبادئ التي تم اعتمادها ما بعد دستور 2011.
عسى أن تصل الرسالة إلى صناع القرار بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، التي نثمن بروح مواطنة ما قامت به وتقوم به من مجهودات في سبيل التصدي للوباء المرعب (الأمية)، أنها ستقوم بنفس المنطق للقضاء على الفيروس المدمر للكفاءات “المحسوبية و الزبونية” الذي ينخر القطاع بتاونات.
وحسب تصريح ” أم لقمان” و “أم فارس” للحقيقة 24، فإن المقصيين و المقصيات من برنامج محو الأمية داخل المساجد بتاونات الذين تم إقصائهم بدون سند قانوني “حسب تعبيرها” يستعدون لتأسيس تنسيقية إقليمية خاصة بهم من أجل الدفاع عن حقوقهم لخوض أشكال احتجاجية سيعلنون عنها في وقتها.