تشهد مدينة فاس في الآونة الأخيرة تفاقمًا ملحوظًا لظاهرة انحراف المراهقين القادمين من القرى المجاورة، والذين استقروا في أحياء هامشية داخل العاصمة العلمية.
هؤلاء الشباب، الذين دفعتهم الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية إلى الهجرة من قراهم، وجدوا أنفسهم عالقين في دوامة من الفقر والبطالة، ليصبحوا عرضة لتأثيرات سلبية خطيرة.
التأثر بنماذج إجرامية
أحد العوامل الرئيسية في انتشار هذه الظاهرة هو تأثر هؤلاء المراهقين بمجرمين محليين أصبحوا رغم تاريخهم الإجرامي، رموزًا للنفوذ والثراء.
هؤلاء المجرمون يتفاخرون بمظاهر الثراء السريع والسلطة الوهمية، ما يجعلهم قدوة لهؤلاء الشباب المراهقين .
في سعيهم لتقليد هذه النماذج، يتبنى المراهقون سلوكيات إجرامية مشابهة، سواء في أسلوب اللباس، تسريحات الشعر، أو حتى في طريقة تعاملهم مع الآخرين، ليصبحوا نسخًا طبق الأصل من أولئك المجرمين الذين اغتنوا بطرق غير مشروعة .
الأوضاع المعيشية عامل أساسي
يعيش هؤلاء المراهقون في ظروف صعبة، حيث يسكنون في منازل بأحزمة للبناء العشوائي المترامي على جنبات فاس و التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة الكريمة.
كما ان غياب المرافق التعليمية، وندرة الأنشطة الترفيهية، وانعدام فرص العمل، كلها عوامل تدفع هؤلاء الشباب نحو الانحراف و الشابات نحو عالم الدعارة و الفساد ، هذا الوضع يجعلهم فريسة سهلة لتجار المخدرات وأصحاب السوابق الذين يستغلون ضعفهم واحتياجاتهم .
الانعكاسات على الأمن الاجتماعي
تفشي الجريمة في أوساط المراهقين لم يعد مجرد ظاهرة معزولة، بل أصبح يشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن الاجتماعي.
هذه الفئة العمرية، التي يُفترض أن تكون مستقبل البلاد، تجد نفسها منخرطة في سرقات، اعتداءات، وترويج المخدرات، مما يُفاقم من معدلات الجريمة في المدينة.
هذا الوضع يستدعي تضافر الجهود بين مختلف الجهات المعنية من سلطات محلية، مصالح أمنية، وجمعيات المجتمع المدني.
دور المصالح الامنية والمجتمع المدني
أمام هذا الوضع المُقلق، تبرز الحاجة الملحة لتدخل المصالح الامنية، ليس فقط من خلال المقاربة الأمنية، ولكن أيضًا من خلال برامج تأهيلية وتربوية موجهة لهذه الفئة.
و من الضروري تعزيز دور المراكز الاجتماعية والثقافية، وتوفير فضاءات ترفيهية تُساعد الشباب على استثمار أوقاتهم بشكل إيجابي، كما يجب إشراك جمعيات المجتمع المدني في تقديم دعم نفسي واجتماعي لهؤلاء المراهقين، مع التركيز على إعادة إدماجهم في المنظومة التعليمية أو سوق العمل.
نحو مستقبل أفضل
إن معالجة هذه الظاهرة تتطلب رؤية شمولية تتجاوز الحلول الأمنية و القضائية التقليدية.كما اصبح من الضروري التركيز على الوقاية، من خلال تقديم برامج تعليمية وتربوية تُعزز قيم المواطنة والانتماء، وتُبعد الشباب عن دوامة العنف والانحراف.
كما يجب العمل على تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية في الأحياء المهمشة، لضمان توفير حياة كريمة تُحصن الشباب من الوقوع في فخ الجريمة.
و في الصدد ، تُعتبر ظاهرة انحراف المراهقين في أحياء فاس الهامشية جرس إنذار يُحتم على الجميع التحرك العاجل.
فهؤلاء الشباب، رغم انحرافهم الحالي، يُمكن أن يكونوا قوة إيجابية إذا تم استثمار طاقاتهم وتوجيههم نحو مسارات بناءة تُسهم في بناء مستقبل أفضل للمدينة وللوطن ككل.