ماذا لو اجتمع البروفيسور خالد آيت طالب، والي جهة فاس مكناس، بالدكتور عبد السلام البقالي، عمدة مدينة فاس ورئيس مجلسها الجماعي، في لقاء يتجاوز الطابع البروتوكولي نحو ورشة عمل حقيقية لتشخيص ما تعانيه المدينة من أعطاب مزمنة؟ سؤال مشروع تفرضه التحولات المتسارعة، وتراكم الأزمات، وحجم التحديات التي تواجه واحدة من أعرق المدن المغربية.
فاس اليوم تبدو كجسد مثقل بالأعراض: بنية تحتية هشة في عدد من الأحياء الشعبية ، ضغط اجتماعي متنامٍ، اختلالات عمرانية، تراجع في جودة بعض الخدمات الأساسية، وتفاوت صارخ بين مركز المدينة وهوامشها. وهي أعراض لا تخفى على ساكنتها، ولا يمكن إنكارها بالخطاب أو تأجيلها بالحلول الظرفية. ما تحتاجه فاس ليس مسكنات مؤقتة، بل تشخيصًا دقيقًا وشجاعًا، يحدد أسباب المرض قبل اقتراح العلاج.
في هذا السياق، يكتسي أي تنسيق جدي بين والي الجهة، بما يمثله من سلطة تنفيذية ورؤية ترابية شاملة، وعمدة المدينة، بما يتحمله من مسؤولية سياسية وتدبيرية مباشرة، أهمية بالغة.
فالعلاج الناجع للمدن، كما هو الحال في الطب، يبدأ بالاستماع، والتحليل، وتحديد الأولويات، ثم بوضع بروتوكول واضح للتدخل، محدد في الزمن، وقابل للتتبع والتقييم.
إن مدينة بحجم فاس، وعمقها التاريخي والثقافي، لا يمكن تدبيرها بردود فعل متفرقة أو قرارات معزولة.
المطلوب هو مقاربة مندمجة، تجمع بين التخطيط الحضري، والبعد الاجتماعي، والنجاعة الاقتصادية، مع الحرص على إشراك مختلف الفاعلين، من إدارات ومجالس منتخبة ومجتمع مدني وخبراء. فالتحديات المركبة لا تُواجه إلا بحلول مركبة، تقوم على التنسيق لا التنازع، وعلى التكامل لا التنافر.
كما أن استعادة ثقة المواطن تظل شرطًا أساسيًا لأي إصلاح حقيقي. فساكنة فاس لم تعد تنتظر الوعود، بقدر ما تنتظر أثر القرار في حياتها اليومية: طرق آمنة،احياء صناعية ضخمة، مرافق عمومية فعالة، فضاءات نظيفة، خدمات مستمرة، وإحساسًا بأن المدينة تُدار بعقلية الإنصات والمسؤولية.
وهنا تبرز ضرورة الانتقال من تدبير الأزمات بعد وقوعها إلى منطق الوقاية والاستباق، الذي يقلّص الكلفة الإنسانية والمادية، ويمنح المدينة هامشًا للتنفس.
إن اجتماعًا جادًا بين البروفيسور الوالي والطبيب العمدة و النقيب رئيس الجهة ، إن صح التعبير، قد يشكل لحظة مفصلية لإطلاق مسار إصلاحي جديد، يضع صحة المدينة في صلب الاهتمام، بعيدًا عن الحسابات الضيقة أو الصراعات الهامشية.
ففاس لا ينقصها التاريخ ولا الإمكانات، بقدر ما تحتاج إلى إرادة مشتركة، وقرارات شجاعة، وربط فعلي بين المسؤولية والمحاسبة.
فهل تكون المرحلة المقبلة مرحلة تشخيص صريح، يعقبه علاج مؤلم لكنه ضروري؟ أم سيستمر تأجيل المواجهة إلى أن تتفاقم الأعراض؟ سؤال تطرحه المدينة اليوم بإلحاح، وتنتظر جوابًا في شكل أفعال، لا أقوال.






